أعمالك المنزلية: كيف تحولين العادة إلى عبادة؟
بالهنا والشفا
من نعم الله علينا أن جعل في هذا الجسد غريزة الجوع ، والعطش والشعور بالألم ، حتى ننتبه إلى إمداده بالطعام ، والشراب والدواء عند الحاجة . ومن نعم الله علينا أن جعلنا نجد لذة الطعام والشراب ، وراحة من الألم حتى نتعاهد هذا الجسد بالعناية والمحافظة ليؤدي العبادة والطاعة لله رب العالمين .
كم من نعمه لله عز وجل علينا! إذ جعل في أبداننا قوى وأجهزة تعمل ليلاً ونهاراً ، في النوم واليقظة وفي السكون والحركة ، فبداخلنا حياة أخرى ونظام أدق وأعظم مما على سطح الأرض فسبحان من قال:
{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .
فتفكري وتديري في طعامك ، يقول الحق عز وجل:
{فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} .
فتلك الأنواع والأصناف التي بين يديك من الأطعمة؛ منها الأخضر واليابس والناعم والخشن والحلو والمر والسائل والجامد والحار والبارد ، ومنها ما ينفع للغذاء وما ينفع للاستشفاء
{ . . فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
العيون لها ما يبهجها من ألوان الطعام ، والأنوف لها ما ينعشها من الروائح الذكية ، والألسن لها ما يسرها من مذاقات لذيذة
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} .
سلوكيات :لتناول الطعام آداب شرعية ، عليك الحفاظ عليها والالتزام بها ، وقد وضحها النبي صلى الله عليه وسلم مثل: الأكل جالساً والتسمية ، والأكل باليد اليمنى ، والاجتماع على الطعام ، والأكل من جانب وعدم إبقاء بقية صغيرة في الإناء حتى لا تهمل وتلقى ، فلا يوضع في الإناء إلا القدر المطلوب ، والتقاط اللقم التي تسقط وإماطة الأذى عنها ، وعدم تركها للشيطان ، وغسل اليدين قبل وبعد الأكل وغير ذلك من الآداب .
فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يا غلام ، سمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك ، فما زالت تلك طعمتي بعد" وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه" وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: "بسم الله ، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره" .وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا آكل متكئاً" .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان" .وعن أبي أمامة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال:
"الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا" .وعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه" .فعليك المحافظة على تلك الآداب وتعليمها لأهلك ولأولادك ، حتى يعتادوا ذلك وتصبح لهم صفات ثابتة ، ويدعوا غيرهم لها .
وتذكري ما يلي:- أن تنظيم وقت تناول الطعام بالاتفاق مع المعاشرين صفة حسنة ومفيدة في الحياة يتلاشى بالتزامها الخلاف والنقاش وإضاعة الأوقات ، كما أن تنظيم الوجبات من أسس المحافظة على الصحة والتعود على تنظيم سائر الأعمال واحترام الوقت .
- إذا أردت أن تربي نفسك وأولادك على الصبر ومجاهدة النفس فعليك أن تتعهديهم بالصبر على الجوع وعدم ملء المعدة بالطعام ، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فعن المقدام بن معديكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" .
- ومثل الصبر على الجوع: عودي أولادك الصبر على أنواع بعينها من الطعام أو الشراب أو الفواكه ، والصبر على احتمال ضيق المعيشة ، وكذلك الصبر على احتمال المشاركين في الطعام إذا كانت لهم خصالا تكرهها النفس ، والصبر على نوعيه مكررة من الطعام ، فقد كان صلى الله عليه وسلم تمر عليه الأشهر ولا توقد في بيته نار ، ولا يأكل إلا الأسودين .
- اجتماع جميع أفراد الأسرة على وجبة طعام منتظمة من عادات الصالحين ودليل على حسن الخلق والدين ، فقد روي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قالوا: يا رسول الله ، إنا نأكل ولا نشبع ، قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا: نعم ، قال: "فاجتمعوا على طعامكم ، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه" .كما أن اجتماع الأسرة على الطعام فيه إدخال السرور على الأولاد والملاظفة والرحمة بهم ، وفرصة طيبة للحديث معهم وتوجيهم وتعليمهم الآداب والأخلاق الإسلامية .
- لتناول الطعام ذوقيات يجب أن تعلميها لأولادك؛ لأن وقت الطعام تحضره الشهوة والنهمة ، فقد يغفلون عن مشاعر الآخرين ، وقد يأتون بتصرفات مستهجنة دون مراعاة لهم إذ يقعون في سلوك يقابله مشاركوهم بالخجل أو الاستهجان ، ومن هذه التصرفات المستقبحة: التجشؤ بصوت مرتفع أثناء تناول الطعام ، وتكبير حجم اللقمة ، والشرب بصوت مسموع ، والمضغ بصوت بشع ، وفتح الفم أثناء المضغ ، وإعادة الملعقة من الفم وبها بقايا . . ووضعها في الإناء الذي يشاركهم فيه الغير ، أو البصق والتنحم بأسلوب لا يليق ، أو الاستئثار بكم أكبر من الطعام ، أو بنوع جيد منه دون الآخرين ، وغير ذلك مما يثير المشاعر وينغص على المشاركين استمتاعهم بالطعام .
- الطعام والدعوة إليه كانت وستظل وسيلة مهمة للدعوة إلى الله استعملها النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يدعو الناس إلى الطعام ويتحدث معهم في أمور الدعوة ، وكذلك الأنبياء فإبراهيم عليه السلام أثبت القرآن كرمه وحفاوته بالضيوف حتى الغرباء الذين لا يعرفهم ، يقول الحق عز وجل:
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} .وقد أثنى الله عز وجل على هذه الصفة إطعام الطعام وعدها من الصفات الأساسية للأبرار الذين ينعم الله عز وجل عليهم بالجنة ، فقال تعالى:
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} .
وقال صلى الله عليه وسلم :
"يا أيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام" .فما أجمل أن تتعاوني مع زوجك وأولاك في ترتيب دعوات الطعام ، فمثل هذه الدعوات توحد العلاقات وتقوي الروابط وتربط بين الداعية والمدعوين ، فالسجايا النفسية تنساب بتلقائية وعفوية صادقة عند تناول الطعام فيحركها الداعية نحو أغراضه الحميدة .
- لا تنسي أن هناك أقارب لهم الحق عليك وعلى زوجك ، وخصوصا والديه ، فاحرصي على دعوتهم أو إرسال هدية من الطعام إليهم إن أمكن صلة للرحم وقربة لله عز وجل .
- أحياناً يود الزوج أو أحد أولادك أن يدعو أصدقاءه لولا خشية تعرضك للتعب والمشقة أو لضيق ذات اليد ، فأريهم منك دائماً الاستعداد والترحاب بضيوفهم ، مشاركة منك في الدعوة واغتنام الأجر والتيسير على أهلك .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" واحتسبي ما تجدينه من جهد وعناء وتكاليف عند الله عز وجل .
- احرصي على ولائم المناسبات والعادات الإسلامية ، ورتبي لكل واحدة منها ما يناسبها؛ مشاركة في إحياء السنن الإسلامية ، مثل العقيقة للمولود ، والوكيرة للمنزل الجديد ، والنقيعة للقادم من السفر ، وغيرها من المناسبات والمواسم الدينية. .
منقول