أما عن الموضوع العام ، وهو "
الحديث بين الجنسين عبر الشات" ، فسيكون التناول فيه على النحو التالي :
1
-الكلام بين الجنسين.
2-وسيلة الكلام : الشات ، وما يشتمل عليه من تنوع في الوسائل : الماسنجر- الميل– ساحات الحوار- الغرف العامة – الغرف الخاصة.
3-طبيعة الوسيلة : تستخدم فيها الكتابة فقط ، أم الصوت ،أم الصوت والرؤية/ رسالة أم مباشرة.
4-موضوع الكلام: الحاجة إليه / خاص أم عام.
5-مكان الحديث : غرفة خاصة / مكان عمل / نت كافيه..إلخ.
6-الدافع للكلام : حاجة عمل / صداقة / تبادل معرفي / تعليم..إلخ.أما عن الكلام بين الجنسين ، هو كأي عمل بشري، فقد خلق الله تعالى الرجل والمرأة ليعمرا الكون ، فطبيعة بني آدم تتكون من رجل وامرأة ، ومما لا شك فيه أنه لابد أن يكون هناك تعامل بين الجنسين ، وهذه طبيعة بشرية ، جاء الإسلام ، فلم يمنعها ، ولكنه هذبها ، وأحاطها بما يحفظها مما قد يشوبها فيخرجها عن طبيعتها الموضوعة له ، أو توقعها في خطأ لا تحمد عقباه ، وقدم الزواج كوسيلة للمعايشة الكلية بينهما، ومن هنا ، نفهم أن الإسلام لم يجعل المرأة لا تخرج من بيتها إلا إلى القبر ، كما يدعي البعض ، وفي تبني هذه النظرية انحراف عن الفهم الجيد لمنهج القرآن في التعامل بين الجنسين .
ومن خلال التعامل مع الجنسين ، يخرج لنا الحديث بين الرجل والمرأة ، أو الشاب والفتاة.
وفي هذا المقام لا ننسى أن كثيرا من فقهاء الماضي والحاضر يحرمون تعامل المرأة مع الرجل من باب سد الذرائع ، والإفتاء على قاعدة سد الذرائع دون النظر إلى القواعد الفقهية الحاكمة والأدلة الشرعية يحتاج إلى نظرة وتوقف ، والحكم يستفاد من الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة الشرعية المعتبرة دون تخوف من شيء، مع اعتبار ما قد يقع من أخطاء بين الجنسين ، فلا تغفل طبيعة التعامل بين الجنسين ، والتي تختلف مع طبيعة التعامل مع الجنس الواحد في الغالب.
وحين ننظر إلى واقع الناس ، نجد أن الكلام بين الجنسين ، قد يكون ضرورة ، وقد يكون حاجة ، وقد يكون شيئا عاديا ، وقد يكون كلاما في غير محله ، أو يكون نوعا من التسلية، أو يقصد به صيد المرأة من خلال الرجل ، أو صيد الرجل من خلال المرأة ، لتحقيق هدف غير مشروع.
وحين ننظر إلى القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، نجد أن الكلام بين الجنسين كان موجودا.
وهذه بعض المواقف للحديث بين الجنسين :* موقف موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب :
(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ . وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ . قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ . قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) .فلننظر إلى هذا الموقف بين موسى عليه السلام و ابنتي شعيب ، وموسى.. من هو موسى من كونه نبيا ، بل ومن أولي العزم من الرسل ، إنه حين رأى الفتاتين بعيدتين عن بئر الماء ، والرجال يسقون، تقدم هو بدافع الذاتية من عنده ، ومن إسداء الخير للغير، ولو كانتا فتاتين، وسألهما عن خبرهما ، وعلم أن أباهما شيخ كبير ، فأخذ ماشيتهما وسقى لهما، ثم انصرفا.
وحين علم أبوهما بذلك ، أرسل إلى موسى إحداهما وحدها ، وبحثت عنه ، فوجدته عند شجرة ، فتقدمت إليه في حياء وأدب ، وتحدثت إليه ، بأن أباها يدعوه، ليجزيه أجر ما فعل .
فسار موسى معها في الطريق ، بأدبه ووقاره ، حتى وصلا إلى البيت.
وفي البيت وأمام الأب ، لم تستح الفتاة أن تطلب من أبيها أن يعمله عندهم أجيرا ، لما رأيا منه من حسن الخلق ، بل سألها أبوها عن السبب، فأرجعته إلى قوة بدنه ، وأمانة أخلاقه .
بل تطور الأمر إلى أن تكون الأجرة مهرا لإحداهما ، والراجح من أقوال المفسرين أن التي كانت تتحدث هي التي تزوجها موسى عليه السلام ، وكان اسمها صفورا.
ومن الأمور التي لم يصرح بها في القرآن ، وإن كانت معلومة من سياقه ، أن موسى عليه السلام ، كان يعيش عندهما ، أو على الأقل أنه كان يحدث احتكاك بينه وبين الفتاتين ، ولكن كل هذا في جو من العفة والأدب.
وهذا إقرار يفهم من القرآن بعدم حرمة الكلام بين الجنسين واللقاء بينهما ، إذا توافرت الأخلاق الفاضلة، مع حسن القصد ، والبعد عن الريبة.
وعلى العكس من هذا ، ذم القرآن فعل امرأة العزيز ، في موقفها مع يوسف عليه السلام ، ومع كون القرآن أظهر لنا الموقف المرفوض من محاولتها إغواءه، وحكى لنا عقدة القصة كما يسميها أهل الأدب ، فإنه يفهم أنها حاولت معه بوسائل كثيرة ، ومنها لين الكلام بالطبع ، فلا يخفى على مثل زليخا أن تجيد الكلام المعسول ، لتصل إلى مرادها ، بل من المستبعد عقلا أن تدعوه إلى الزنى بنوع من المباشرة والجفاف ، فهذا ما لا يتم الأمر به.
وقد رفض القرآن الكريم هذه الدعوة الفاسدة المفسدة من امرأة العزيز ، ومثل الفرض ذروة الفعل ، وهو ينسحب أيضا على مقدماته، ولذا جاء القرآن الكريم بالتصريح في هذا ، وقال :
" وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً" ، و كذلك :
" وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ " ، وفي هذه الحالة لم يحرم الإسلام الفعل لذاته فحسب ، بل حرم كل ما يفضي إليه ، فقال :
" ولا تقربوا " ، فهو ممنوع الاقتراب ، وممنوع الفعل .
بل من الأمور المسلم بها حياة يوسف عليه السلام في قصرها ، وأنه كان خادما عندها ، وبالتالي فقد كانت تجري حوارات من الطلب في فعل الأشياء وغيرها ، وهي غير مستنكرة لا عقلا ، ولا شرعا.
* كما حكى لنا القرآن الكريم قصة سليمان مع بلقيس، وأنه أرسل إليها رسالة مع الهدهد ، ثم إنها أتته بعد ذلك، واصطحبها ، وهو يريها عظيم فضل الله عليه، وما آتاه من الملك، مع ما يصاحب هذا من مناقشة وكلام ، أقره القرآن بطرف خفي.
* ومن أمثلة السنة ما رواه البخاري في صحيحه:
من أن سلمان الفارسي زار أخاه أبا الدرداء، ورأى على امرأته ثيابا مبتذلة ، فراجعها في هذا أمام زوجها، فردت أن زوجها لا حاجة له في الدنيا.وربما يعطي هذا المثل نوعا من الحميمية المشروعة ، وفي الرد لأم الدرداء : أخوك لا حاجة له في الدنيا، يدل على هذه الحميمة بين الصاحبين ، والذي يهمنا هنا هو أن سلمان تحدث مع أم الدرداء في كلام نعتبره خاصا في مجتمعاتنا ، ومع هذا حين حكي الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سلمان كلامه مع أم الدرداء وتدخله في شئونهما الخاصة .
ولكن لا يفوتنا أن هذا حدث في جو من الصفاء والنقاء من الصحابة رضوان الله عليهم ، ولا يتخذ ذريعة لكل إنسان يعلم من نفسه البعد عن أمانة الأخلاق ، ونظافة السلوك .
وقد كانت النساء تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أمام محضر من الصحابة ، ولم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم عليهن، كما فعلت أسماء بنت عميس وغيرها.
أما استخدام وسائل المحادثة الالكترونية ، فلا تعد من باب الخلوة الشرعية، لأن الخلوة يكون فيها الرجل مع المرأة في مكان يأمنان ألا يدخل عليهما أحد ، وفي هذه الحالة يجوز أن يقوما ببعض الممارسات التي لا يمكن ممارستها خلال وسائل الاتصال الحديثة ، على أن هذه الوسائل فيها شبه خلوة ، إن كان الشاب والفتاة بمفردها ، وليس في مجموعات محادثة ، أو كان الحديث في مكان عمل ونحو هذا.
ومن المعلوم أن صوت المرأة ليس بعورة ، وإنما يباح الكلام إن كان مباحا ، ويحرم إن كان موضوعه حراما، فموضوع الكلام هو الذي يحدد الحل من الحرمة.
وقد يضاف إلى هذا الرؤية من خلال الـ :"webcame" ، فيرى الرجل المرأة ، وترى المرأة الرجل ، فإن كانت النظرة بشهوة ، حرمت ، وإن كانت نظرة عامة مع عدم الاستدامة ، فلا يمكن الحكم عليها بالحرمة. مع الأمر بغض البصر ، سواء من خلال الصورة أو الحقيقة.
ولابد أيضا من التفرقة بين الكلام العام ، والكلام الخاص، فالكلام العام أقرب للإباحة ، إلا إذا داخله ما يشوبه ، والكلام الخاص يحكم عليه بموضوعه ، وإن كان لابد فيه من ضرورة داعية إليه.
كما أن مكان الحديث يعطي بعض الظلال على الحكم ، فالحديث في مكان عام ، غير الحديث في مكان خاص، فالمكان العام يعطي – في الأغلب – احتراما وعمومية ، بخلاف الكلام المكان الخاص، مع اعتبار أن العموم والخصوص ليسا هما أداة الحكم الوحيدة على الكلام .
ويتنوع مكان الكلام ، فقد يكون في غرفة خاصة، وقد يكون في مكان للعمل، أو في نت كافيه ، وغير ذلك .
ولابد للنظر إلى دافع الكلام ، فقد يكون الكلام عاما ، لكن يقصد الإنسان منه غرضا غير طيب ، أو يكون كلاما خاصا، لا يقصد منه ما قد يفهم من الخصوص ، ويمكن اعتبار دافع الكلام في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات" .
ومع تنوع أشكال الدافع ، فتبقى النية هي الضابط في الموضوع ، فهناك الحديث في مجال العمل ، والحديث في تبادل المعرفة ، والحديث في مجال التعليم والتعلم ، والحديث في مجال الصداقة .
فكل هذه محددات يجب اعتبارها عند الحديث عن الكلام بين الجنسين.
ب
ل من أعجب ما يحكى في التاريخ تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنها ، لامراة اسمها الشفاء بنت عبد الله ، محتسبة للسوق الذي يكثر فيه الرجال ، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وقد تصدر عقابا لغاش في البضاعة ، أو تأمر بطرد من خالف قواعد البيع والشراء ،وهي امرأة.ومع كل هذا ، فإننا لا ننسى الواقع الذي نعيشه ، فهناك من يستخدم وسائل النت في الحديث مع الجنس الآخر ، للاصطياد في شباك الحرام ، فيستخدمون معسول الكلام ، وإظهار الإمكانات والطاقات الفردية ، ليعجب الجانب المقابل ، ليحقق غرضه الخبيث.
وهناك من هو صادق النية في دعوة الغير إلى الخير، من الجنسين ، وإن كنا نسعى إلى تفعيل العلاقة بين الجنس الواحد، فلا ندعو إلى الفصل التام بين الجنسين ، إلا ما يخشى معه الضرر ، أو الانزلاق في مهاوي الخطر ، وخاصة ما يتعلق بالشهوة بين الجنسين ، وما أوجده الله تعالى من ميل كل جنس لآخر.
وفي مراقبة الله تعالى في كل فعل ، واتباع القواعد العامة للسلوك الإنساني النظيف، سياج يحمي القاعدة العريضة من الوقوع في الخطأ، أو التهاوي في الزلل، فـ (كل نفس بما كسبت رهينة).
واعتبار الوازع الديني ، واستحضار الحساب والجزاء عندالله ، يجعل المرء في محاكمة مع نفسه ، ليضبطها عما تريد أن تحيد عنه:
"يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ".
وبعد هذا العرض التفصيلي ، والتأصيل من الناحية الشرعية ، يمكن أن يحاكم كل إنسان نفسه ، وأن يعرف هل حديثه هو ، وليس الحديث عامة – مع الجنس الآخر، مباح أم لا؟
وهل سلوكه هذا لا غبار عليه من خلال المعيار الأخلاقي للإنسان ، أم أن فيه خروجا عن الفطرة السوية لبني البشر ؟
فمع كون الموضوع عاما ، لأنه لا يحكم بعمومه في كل المواقف ، بل يبقى الأمر خاصا ، حسب كل شخص ، وما يحيطه من معطيات معرفية عرضت في الكلام السابق.
منقول - اسلام اون لاين