حارب الأمراض.. بضحكة "فن الطب يعتمد أساسًا على بقاء المريض راضيًا سعيداً حتى يكتب له الشفاء" كلمة قالها فولتير، تترك أبعادًا ومعاني رائعة لابتسامتنا، ربما نشعر بها دون أن نعبر عنها. فلأجل ابتسامتك قامت مؤسسات وصناعات وفنون، كلها تستجدي رضاءك، وتتمنى منك ابتسامة أكثر صفاء.
ولأجلها أجريت أبحاث هائلة تفتش كل يوم عن الجديد، والتي ذكر آخرها أن رضاءك وسعادتك في علاقة طردية مع عمرك؛ وهو ما يعني أن كبار السن أكثر سعادة مقارنةً بشباب اليوم، بالرغم مما يعانونه من اضطرابات جسدية أو نفسية نتيجة الشعور بنهاية العمر.
فقد نشرت مجلة "Happy" في عددها الصادر بتاريخ 22 يونيو 2006 دراسة لقياس مقدار ابتهاج الأفراد في المراحل العمرية المختلفة؛ حيث قامت جامعة ميتشيجن بتتبع سلوك مجموعتين من الأفراد للمقارنة بينهما، المجموعة الأولى تشمل 269 فرداً بمتوسط عمري 68 عاما، أما الثانية فتشمل 293 فرداً بمتوسط 31 عاما.
وبالرغم من أن الاعتقاد السائد هو ابتعاد الإنسان عن السعادة مع تقدم العمر، فإن الدراسة أثبتت عكس ذلك.
ويرى بعض الأطباء أن النتائج السابقة هي انعكاس للعلاقة الطردية بين طول حياة الفرد على الأرض واللحظات السعيدة التي يمر بها وتتجمع في ذاكرته، والتي يمكن استرجاعها من وقت لآخر.
إضافة إلى أن الخبرة والتجارب يرفعان من قدرة الفرد على التكيف أمام المستجدات المؤلمة، حتى إنه قد يقابلها في الغالب بضحكة ساخرة.
فالاكتئاب مرتبط ارتباطًا عميقا بطريقة تناولنا للأمور، وكما يقول شكسبير: "لا يوجد ما هو جيد أو سيء، ولكن طريقة تفكيرك هي ما تجعله يبدو كذلك"، فالحالة المزاجية الجيدة والضحكة الصامتة تساعدنا على ضبط انفعالاتنا أمام الآخرين، وبناء حالة صحية جيدة.
الضحك أفضل دواء
دائما ما كنا نسمع هذه المقولة ونرجعها إلى الحالة النفسية التي يكون عليها المرء، إلا أن فوائد عديدة أظهرتها الأبحاث في السنوات الماضية تعكس كيف يكون الضحك أداة للشفاء حيث:
* يبتسم الشخص البالغ 17 مرة يوميا والطفل 300 مرة
* تتحسن الحالة المزاجية ويخمد الهرمون المسبب للاكتئاب حينما نضحك، ليس ذلك فحسب، بل وترتفع مناعة الجسم لزيادة أعداد الخلايا القاتلة للفيروسات والأجسام المضادة المكافحة للأمراض فتتغير الحالة البيوكيميائية للجسم عموما.
* يتمتع الشخص المتبسم بضغط دم أقل من الإنسان العادي؛ ففي بداية الضحك يرتفع ضغط دمك، ثم يبدأ تدريجيا بالانخفاض تحت الطبيعي، وتستنشق الأكسجين بصورة أعمق، فيصل الدم المحمل بالأكسجين والمواد المغذية لجميع أنحاء الجسم، ومن ثم يساعد على التئام الجروح.
* ينبه الضحك المخ لاستقبال المعلومات، فهو ينشط الفص الأمامي المسئول عن المشاعر في المخ، وجانبي القشرة اللذين يعملان على تحليل الكلمات التي تثير ضحكاتك، كما تنشط بشدة الموجات الدماغية؛ وهو ما يزيد من نشاط الدماغ وقدرته الاستيعابية، أضف إلى ذلك استرخاء العضلات الذي يعمل على الإبقاء على الدماغ يقظا ومنتبها لاستقبال المعلومة بصورة أفضل.
كل ما تقدم يوضح بجلاء أن الضحك عملية في غاية التعقيد، حتى إنه تستخدم فيه الكثير من المهارات اللازمة لحل المسائل الحسابية.
* ذهبت الأبحاث إلى أبعد من ذلك، فقد جاء في دراسة نقلت عن المركز الطبي في جامعة مريلاند في 2006 أن ضحكك ومزاجك الجيد يقيك من أمراض القلب، والتي طالما كانت مرتبطة في أذهاننا بالضغوط والاكتئاب.
* وكرياضة رخيصة وغير مجهدة، يعمل الضحك على تدليك عضلات الوجه والقدم والظهر، فتنقبض 15 عضلة في الوجه، وعضلات البطن أيضا، فهو يقويها لحمل أعضائها، وهذا يفسر الشعور بالتعب الذي ينتاب البعض بعد الضحك المتواصل، أما الأغرب فهو ما قيل عن أن ضحكة من القلب تحرق سعرات تعادل ما تحرقه خلال ممارستك للعجلة الرياضية لعدة دقائق.
* الأبعاد الاجتماعية لمزاجك الجيد رائعة أيضًا. تُرى، ما الذي يحتاج من حولك أكثر من ابتسامة صافية ومزاج رائع؟ !
وتؤكد أخبار" الصحة اليومية" في عدد نوفمبر2005 أن الضحك يزيد بنسبة 30% في الجلسات الاجتماعية، ويزيد من التقارب والتواصل بين أفراد المجلس، فكما يقول العلماء: إن الضحك هو أقصر مسافة بين شخصين.
ابتسامتك صدقة.. لكن من القلب
ولأجل هذه الأسباب مجتمعة قامت مؤسسات كثيرة هدفها ابتسامتك، وبدأ ما يسمى بـ"العلاج بالضحك" في الظهور، وشيدت مؤسسات طبية تقوم بجولات بين المستشفيات لتعالج أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة بالضحك، كما قامت المعاهد والجامعات العلمية بالتعمق في دراسة فسيولوجية الضحك "gelatology"، في محاولة لكشف أسرار مزاجك وضحكتك، وعلى الرغم من كل هذا، فإن خبايا كثيرة ما زالت لم تكشف بعد بوضوح خاصة العلاقة بين الضحك والدماغ.
ابتسامة منبعها القلب تعكس مدى الرضا وهي سر سعادتك؛ فضحكات مرسومة على الشفاه مع قلب بائس ليست هي محور حديثنا، فالقلب الراضي هو لب الموضوع، وهو الذي يأتي بتلك الأبعاد الصحية والاجتماعية الرائعة، واسمع نصيحة نبيك صلى الله عليه و سلم:
".. ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله..." رواه أحمد.
إن ابتسامتك تكون نِعْم الصدقة إذا كان منبعها من القلب، فتصلك مع من حولك بشعاعها.
حقا إنها آية من آيات الله سبحانه وتعالى، آية عجيبة، ما زال الغموض يحيط بكثير من تفصيلاتها إلا أنها تبقى شاهدة على وحدانية الله
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (النجم: 43).وبغض النظر عن كل هذه الأبحاث؛ فإن شخصا وحيدا هو الذي يستطيع أن يجعل ضحكتك أكثر صفاءً ونقاءً.. هو "أنت".
منقول - اسلام اون لاين