المسكوت عنه في دنيا العاقدين.. خبرة مستشار
الدكتور أحمد عبد الله
فترة العقد من الفترات التي تشغل بال أصحابها على الدوام؛ فمنذ أن بدأنا في استقبال أسئلة الجمهور على صفحة "مشاكل وحلول" والأسئلة تنهال علينا بكثرة فيما يخص أحداث هذه الفترة المهمة في مسيرة العلاقة الزوجية، وكذا الحال في صفحات الاستشارات والفتاوى على موقع "إسلام أون لاين" التي تلقت تساؤلات متشابهة حول حقوق العاقد، وحدود العلاقة -الجنسية أساسا- خلال هذه المرحلة، وتتكرر الأسئلة والإجابات عن: فعلت وفعلت، أو أريد ويريد، ولا نستطيع.. إلخ.
وحري بنا الإشارة في البداية إلى أن أوضاع عاقدي القران في البلدان العربية جد مختلفة؛ فأسمع مثلا أنهم في منطقة الخليج يبيحون للعاقدين الاستمتاع بزوجته بمجرد إتمام العقد من دون انتظار الزفاف؛ فيمكن للزوجة أن تذهب أو تنتقل من بيت أسرتها إلى بيتها، وقد تحمل في فترة العقد بعد تحقق الخلوة الشرعية والمعاشرة الكاملة بينها وبين زوجها في منزل عائلتها، هذه الأوضاع الخاصة بالعاقدين الخليجيين يندر حصولها في المجتمع المصري؛ فلا يليق وفق التقاليد المصرية حدوث أي لقاء جنسي بين العاقدين إلا بعد الزفاف، وانتقال الزوجة إلى بيت زوجها، وقد يعتبره أهل الزوجة جرحا كبيرا لكرامتهم في حال حدوثه.
ولكن على الرغم من هذه الفوارق الواضحة بين المجتمعات في تعاطيها مع فترة العقد فإن الأسئلة الواردة من كل هذه البلدان مجتمعة تتشابه، وإن كانت تأتي بكثافة من البلدان التي تعتبر العقد نوعا من الزواج مع إيقاف التنفيذ. وفي غمرة الأسئلة والإجابات الشائعة حول هذه الفترة تغيبت حقائق سنحاول التذكير بها في السطور القادمة.
تريد ولا تريد
الحقيقة الأولى التي يجب الإشارة إليها أنه في علاقة العاقدين الخالية من فرصة ممارسة الجنس، مع وجود الرغبة الشديدة وانعدام الفرصة الصريحة للمعاشرة تتنوع طرق التحايل والهروب من هذا الوضع؛ فكل زوجين يقومان بالاحتيال على هذه المعطيات وفقا لما تمليه عليهما الظروف، غير أن مواقف المرأة تتباين حيال هذه المسألة؛ فهي إما أنها تريد المعاشرة مثل الزوج وتصارحه بهذه الرغبة، وتتعاون معه في التدبير للتنفيذ، أو أنها توافق على المعاشرة إرضاء لمن عقد عليها ويريد معاشرتها تحت أي ظروف، ويرى أن هذا من حقه، أوهي تريد المعاشرة غير أنها تمانع لاعتبارات الحياء وقلة فرص تحقق اللقاء الحميم في أمان، أو ربما خوفا من الحمل، أو لأن هذه المخاوف تنعكس على رغبتها؛ فلا يكون لديها أي تقبل لفكرة المعاشرة قبل البناء من الأساس.
هذا الصراع أو حتى الجدل حول اللقاء الجنسي وأموره في فترة العقد قد يُدخل الطرفين في فخ شائع، وذلك حين تعتبر الفتاة رغبة العاقد عليها في معاشرتها مجرد شهوة تبحث عن تفريغ، بينما هي تريد رومانسية وعواطف، ويغذي هذا التفكير الشائع ما يتناثر وينتشر من مفاهيم مستوردة أو محلية من أن الرجل يريد فقط شهوته، بينما المرأة تبحث عن العواطف والمشاعر، على الرغم من أن المسألة ليست بهذا التصور؛ فالرجل الطبيعي يعتبر ممارسة الجنس جزءا من التعبير عن مشاعره تجاه من يحب، والمرأة الطبيعية تريد الجنس جزءا أساسيا من علاقتها بمن ترتبط به عاطفيا وشرعيا، ووضع الرومانسية في مقابل رغبات النفس الجنسية هو محض خلل واختلال، لكنه شائع.
حالة الاختلاف بين العاقدين في تصور كل منهما للجنس تصبح مقدمة مناسبة جدا للعبة القط والفأر المتكررة بينهما؛ فالرجل يريد تعبيرا جسديا عن المشاعر، ولا يبالي غالبا بطلبات زوجته من ناحية الكلمات العاطفية أو المواقف والإجراءات التي تحمل مضمونا رومانسيا حالما، والمرأة تنتقد هذا دائما، ولكنها تمنح جسدها في النهاية لتستمتع ولو جزئيا بالمتعة الحسية، لكنها لا تعتبرها جزءًا من التعبير العاطفي الذي غالبا ما تتخيله وكأنه مجرد من الجنس وممارسته.
غياب العلاقة الإنسانية
الحقيقة الثانية هي أنه ما أكثر المتحدثين عن العلاقة الزوجية، لكن على طريقة: حقوق وواجبات الزواج، وكيف تسعدين زوجك؟ وكيف تسعد زوجتك؟ ناهيك عن دورات تطوير الذات، وإدارة العلاقات، وتعلم كيفية الإصغاء، ولغة الجسد... إلخ، كل ذلك من دون أن يقدم أحد للزوجين فكرة عن كيفية بنائهما علاقة إنسانية وعاطفية سليمة، وكأن هذه العلاقة تحدث بشكل تلقائي أو أوتوماتيكي، بمجرد أن يكون الطرفان تحت سقف واحد يتشاركان الفراش ومائدة الطعام؛ فنادرا ما نرى أحدا يقول للزوجين: كيف يمكنهما التعبير عن مشاعر الحب أو الغضب أو الكراهية حين يشعران بها، ولا تفيد الأفلام والمسلسلات والروايات في هذا الخصوص؛ فهي إما بلهاء وسطحية تصف حياة بلاستيكية غير واقعية، لامعة كانت أو كئيبة، أو هي مؤدلجة أو مستوردة شكلا أو مضمونا.
أما الخطاب المستند إلى ديباجات دينية فيبدو بدائيا وعاجزا عن الاستنباط من كتاب الله العزيز، أو من خبرات البشر بدءا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ما يساعد الزوجين في تعريفهما كيفية بناء علاقة إنسانية وعاطفية راشدة وسليمة؛ فغالبية هذا الخطاب يكتفي برص الآيات وسرد الأحاديث دون أي اجتهاد يساعد في التوصل إلى توجيهات أو ملاحظات خاصة بهذه القضية المصيرية في حياة أي أسرة؛ فالحركات الدينية تائهة بين الدروشة والسياسة، أو الملاحقات الأمنية من الأنظمة، أو منشغلة بتعبئة أناس يتخبطون في حياتهم الشخصية؛ ليس بسبب قلة التزامهم بالدين، ولكن بسبب غياب وعيهم بتجليات هذا الالتزام، فقط هم يسألون عن حقوق وواجبات فترة العقد!.
فرصة ذهبية
أما الحقيقة الثالثة التي يجهلها العاقدون فهي أن فترة العقد مثالية جدا لاستكشاف مريح للطرف الآخر، ومن دون أي حرج نفسي أو شرعي، وفرصة ذهبية للبدء في بناء علاقة انسجام وتفاهم حين تتم رؤية تضاريس الطرف الآخر الذهنية والشخصية عن قرب، ومن دون رتوش التجمل أو المداراة التي كانت في فترة الخطبة.
ولعله من المفهوم أن يندفع الطرفان المحرومان من الجنس إلى ممارسته بعد الحصول على الرخصة، ولكن في غمرة هذا الاندفاع، أو محاولة كبحه منهما أو من غيرهما تضيع الأسئلة المهمة حول كيفية وصل الروابط وبناء العلاقة الإنسانية؛ الأمر الذي يوصلنا في النهاية إلى تبادل الكراهية والنفور وربما الطلاق، دون أن يأخذ الطرفان فرصة حقيقية لتعارف وثيق عميق وتقارب وامتزاج وإفضاء لبناء الزواج؛ ذلك الميثاق الغليظ كما أشار إليه القرآن الكريم.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول: تبا لمن سربوا إلينا أن بناء الأسرة يحتاج فقط إلى القدرة الجسدية، ورصيد من الأموال للنفقة والشقة، مع بعض النوايا الطيبة المصحوبة بتوقعات أسطورية بالسعادة لمجرد أن الطرفين ساعيان إلى إرضاء الله؛ فهذا تبسيط سخيف ومدمر؛ فبناء الأسرة نوع من الجهاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يستلزم بذلا متواصلا وتنازلات وتفاهمات ومفاوضات وتركيزا ومعارف تتكامل مع الخبرات؛ فنقترب من السعادة.. فهل نتعامل مع الأسرة بهذه الجدية أم نظل كما نحن -أو كما أغلبنا- غافلين بلهاء؟!
منقول - اسلام اون لاين