اللقمة الهنية.. "أمنية" هل تتحقق؟ هل أكلت يومًا طعامًا وأنت على اليقين أن سموم الكيماويات والأسمدة تملؤه؟.. هل حلمت ساعتها بأكلة هنية تطمئن إليها؟ أعتقد أن الإجابة ستكون بنعم، فالجميع من حولك يشكك في كل لقمة أو شربة تدخل فمك.. فما تملك إلا أن تسد أذنيك حتى تستطيع أن تسد رمقك.
هذا في بلادنا، أما في الغرب فتتكرر المأساة ولكن بصورة أخف وطأة ولا شك.. فقد كشف النقاب مؤخرًا عن دراسة تؤكد اكتشاف سموم ضارة في 750 ألف بيضة من واقع مليون أقيم عليها البحث.. هذه السموم نتجت عن دواء لاسل أوسيد Lasalocid، الذي يعطى للدجاجة بصورة روتينية حتى لا تصاب بمرض الكوكسيديا المعروف، رغم ما أثبتته أبحاث أخرى عن خطورة هذا الدواء الشديدة على الثدييات.
لكنك في الغرب، تستطيع على الأقل أن تختار ما يسمى بالطعام العضوي Organic Food المتوفر في الأسواق لو كان معك قدر من المال.. هذا الطعام الذي بدأ يخطو بخطوات واسعة في التسعينيات، ويتوقع الجميع زيادة الطلب عليه بقوة في أوروبا وأمريكا في عام 2002.
وسنحاول في موضوعنا التعرف أكثر على مثل هذا النوع من الطعام ليس لنتحسر على ما آلت إليه لقمتنا، ولكنها معرفة لا بد منها عسى أن تتضافر الجهود يومًا ما ليصل هذا الطعام إلى أفواهنا.
ما هو الطعام العضوي؟كلمة عضوي كلمة تتعامل مع الطبيعة، وهي وصف لطريقة نمو المنتجات أو معالجتها، هذه المنتجات لا تعني فقط الغذاء ولكنها حقيقة طريقة حياة؛ فاليوم هناك الخشب العضوي، والملابس، منتجات الحدائق.. وحتى المطاعم.
وأي منتج يسجل عليها كلمة Organic فلا بد أن يتقابل مع خطوط إرشادية معينة تسمى بالمقاييس العضوية Organic Standards، وتخصص له علامة جودة ورقم مسلسل.
أما المقاييس هذه Organic Standards فتعرف على أنها طريقة للإنتاج تضمن نظامًا متكاملاً يراعي البيئة في كل خطواته.
وهذه المقاييس تضمن أيضًا المحافظة الراقية على صحة الحيوان... وتخرج لك في النهاية لحومًا ودجاجًا سالمين، وذلك من خلال الرقابة على أماكن تربية تلك الحيوانات أو الطيور، كثافة أعدادها بمكان التربية، والرعاية الطبية المتوافرة لها ونوعية طعامها وسلامته.
وتحدد المقاييس مدة سنتين لأي مزرعة تود أن تتحول إلى مزرعة عضوية Organic Farm قبلما تحقق المقاييس المتكاملة في زراعاتها ومواشيها.
والسؤال الآن: هل تضمن هذه المقاييس سلامة طعامك بالفعل، وهل تشجعك حقًا على اختيار مثل هذا النوع من الطعام؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في السطور القادمة.
لماذا نختار الطعام العضوي؟هناك عدة أسباب مهمة تجعلك تختار هذا الطعام من أهمها:
1 - هذا النظام يمنع بشدة استخدام الكيماويات كمبيدات حشرية أو سماد، والتي زادت بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة لزيادة الإنتاج .. ولا يخفى على أحد المخاطر العالية التي تسببها هذه الكيماويات على الإنسان، خاصة في البلاد النامية من أمراض الربو، والقلب والسرطان.
وهناك عدد محدود جدًا من العناصر الكيماوية مسموح بها في الطعام العضوي على عكس الطعام العادي، الذي يسمح بما يقرب من 450 عنصرا كيميائيا تستخدم بصورة روتينية.
(4.5 بلايين لتر مبيدات تستخدم في بريطانيا وحدها).
2 - المزارع العضوية صديقة للبيئة، وتساعد على تنوع أكبر من الطيور والفراشات والنباتات عليها والحياة البرية الأخرى... على عكس المزارع العادية التي تؤثر المبيدات فيها بشدة على التنوع البيئي.
3 - المقاييس العضوية تمنع استخدام تكنولوجيا الهندسة الوراثية؛ لأنها غير معروفة النتائج بدقة، وما زالت تعتبر محض تجربة.
4 - الفاكهة والخضر في هذا النظام تحتوي على فيتامينات عالية في جودتها ومضادات للأكسدة المحاربة للسرطان.
5 - النظام العضوي يستخدم النظامين.. الحديث والتقليدي؛ فهو يعتمد على فهم البيئة علميًا، ويدرس علم التربة بدقة، كما يستخدم الطرق التقليدية مثل دوران المحاصيل للتأكد من التربة الخصبة، وللتحكم في الأعشاب الضارة والحشرات.
6 - كما يعتبر هذا النوع من الطعام الأفضل دائمًا لأطفالنا؛ لأن أعضاءهم لم يكتمل نضوجها بعد، وهو ما يعرضهم أكثر إلى سموم المواد الكيماوية الخطيرة.. كما أن طعام الطفل محدود التنوع، وهو ما يساعد على تركيز هذه السموم بقوة على جهازه الهضمي الأكثر كفاءة في امتصاصه للعناصر الغذائية.
7 - كما يرى كثير من الناس أنه ألذ وأشهى من الطعام غير العضوي.
فالحيوانات تربّى بمقاييس صارمة حتى يصل إلى فمك دجاج ولحم ولبن وبيض يمدك بالعناصر الغذائية العالية، وليس بالسموم القاتلة الممثلة في طعام هذه الحيوانات والطيور مثل الدجاج.
فلا يسمح باستخدام الهرمونات الصناعية أو الإعطاء الروتيني للأدوية. كما لا يسمح باستخدام المضادات الحيوية إلا في حدود ضيقة جدًا مع بعض الأمراض، ويحذر استخدامها في خلال 90 يوما التي تسبق الذبح أو الـ 30 يوما التي تسبق إنتاج اللبن والبيض (في الدجاج)، ولا تعطى الأمصال أيضًا في هذه الفترة.
ولا يسمح كذلك بالمياه المشكوك في نقائها ونظافتها. ولا يسمح بالعلاج إشعاعيًا أو استخدام المعالجة المثلية Homeopathy، أو الإبر الصينية وغيرها. ولا يسمح بالهندسة الوراثية تمامًا. ولا يسمح بالكثافة العالية للأعداد كما هو الحال في نظام "البطاريات"، الذي يكدس أعدادًا مهولة من الدواجن في أقفاص متعددة الطوابق لا تستطيع الدجاجة حراكا بداخلها طوال شهور التسمين فتنتفخ عضلاتها وتكتنز بالشحم أنسجتها.
يسمح فقط بالفيتامينات الطبيعية والأملاح.
ويسمح باستخدام المبيدات غير السامة، مثل: المساحيق الحجرية، ومضادات الحشرات الطبيعية (المصنعة من النباتات).
وتحاول IFAOM (المؤسسة الدولية لزراعة المواد غير المعالجة كيماويا) التي تمثل التعاون الدولي في هذا المجال العمل بجد لتوحيد مقاييس الطعام العضوي، والذي ما زال يطرأ عليه بعض الاختلافات في البلاد الأوروبية وأمريكا.
اتهامات ضد الطعام العضوييشكو بعض الناس من أن هذه الأطعمة قصيرة العمر لا تعيش طويلاً.. إلا أن المتخصصين يقولون بأن هذا شيء متوقع؛ لأن الفاكهة والخضر لا تحتوي على أي مواد حافظة؛ فعمرها أقصر، ولكن هذا أيضًا يعد ميزة للحرص الدائم على أكلها طازجة محتفظة بموادها الغذائية العالية.
كما أن هذا النوع من الطعام أغلى ماديًا من الطعام العادي وذلك لدورات المحاصيل، والتي تترك الأرض فترة من الوقت غير مستخدمة.. وللقواعد الصارمة التي تطبق على تربية الحيوانات.. إلا أن المتخصصين أيضًا يرون أن الطعام العادي غير العضوي ليس بالرخص الذي يبدو بسبب الضرائب، والأموال المصروفة لتصليح الخسائر التي أدت إليها تلك المزارع، فضلاً عما تسببه من مضار اقتصادية للبيئة ولصحة الإنسان، ويتهمون تجار الزراعات العادية بالترويج إلى شائعات ليس لها أي أساس من الصحة.
العالم يهرع إلى الطعام العضويالسوق العالمية للطعام العضوي تقدر بـ 15 بليون إسترليني تنتج عن 16 مليون هيكتار من الأرض المدارة بهذا النظام، والصناعات العضوية تنمو بمقدار 20% كل عام منذ عام 1990. وتعتبر الولايات المتحدة أكبر سوق للطعام العضوي مسجلة 1/3 مبيعات العالم. وتقدر مبيعات التجزئة بها في 1999 بـ 6 بلايين دولار، وتزيد عدد المزارع بمقدار 12%.
أما في أوروبا فقد ارتفعت الأرض المزروعة إلى 306 ملايين هيكتار تمثل 3% من الأرض المزروعة.. تأتي ألمانيا كأكبر سوق لهذه المنتجات 1.84 بليون إسترليني. أما إنجلترا فهي تعتبر أسرع سوق متنام في أوروبا؛ حيث نما بمعدل 33% خلال 2000 ، 2001 بمبيعات تقدر بـ 802 مليون جنيه إسترليني. كما أنها أيضاً أكبر مورد للطعام العضوي من الخارج، وتستورد 3/4 احتياجاتها؛ لأن الطلب يتزايد عليها بشكل كبير، وقد زادت الأراضي المزروعة بمقدار 133% برغم مرضى الحمى القلاعية وجنون البقر.
وبعد هذه الجولة.. فما يسعنا إلا أن نظل نتمنى لقمة هنية تقوي الأبدان على العمل الدؤوب، وحتى يأتي هذا الوقت فما عليك إلا أن تأخذ بنصيحة جدتي وأنت ترفع الطعام إلى فمك بأن تقول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء.
منقول