سألت أحد الأصدقاء: لماذا لا تلتزم في عملك وتعطيه حقه؟ كانت إجابته الجاهزة: "وماذا سيصنع التزامي؟! المنظومة كلها خطأ.. ولن يصلحها التزام فرد".. ما قاله صديقي يلخص جانبا كبيرا من أسباب أزمتنا في العالم العربي، التي تظهر في كل شيء، وليس في مجال العمل والإنتاج فقط.
ولتجرب مثلا أن تنصح إنسانا بألا يسرف في المياه، سيقول لك على الفور: "كل الناس تستخدم المياه بهذا الأسلوب"، وستكون الإجابة ذاتها عندما تطلب منه أن يخفض من صوت "الكاسيت" احتراما لحق الجار.
هذه الإجابات تعكس ثقافة تسيطر على سلوكياتنا العربية، وهي التي يمكن تسميتها بـ"ثقافة البورصة"، فكما أن أحد الأسباب التي تؤدي لانهيارات البورصة هي ما يسميه الاقتصاديون بـ"سياسة القطيع"، أي سير كل المتعاملين شراء أو بيعا وراء إشاعة، فإن أحد أسباب أزمتنا خارج إطار تعاملات البورصة هي سيرنا على نفس المنهج.
ثقافة كفار مكة
وللأسف فإن هذه الثقافة لا تتفق مع دعوة ديننا الإسلامي لإعمال العقل، فهي أشبه بأسلوب كفار مكة في التعامل مع رسالة الإسلام، فكان رفضهم للرسالة من منطلق أنهم تعودوا على عبادة الآلهة التي وجدوا آباءهم وأجدادهم يعبدونها.
ومن الطبيعي مع سيطرة هذه الثقافة أن تصبح إنتاجية الموظف العربي في الحضيض وهو ما أشار إليه الكاتب والباحث الأردني إبراهيم غرايبة في مقال له على موقع "الجزيرة.نت" يوم 12 من يناير 2008، حيث ذكر -نقلا عن دراسة أكاديمية أردنية- أن22.5% من أوقات الموظفين الأردنيين تستنزفها أعمال لا يصح القيام بها في أثناء العمل، مثل شرب الشاي والقهوة وقراءة الصحف، وكذلك الحال بالنسبة للموظف المصري الذي تقدر إنتاجيته بـ27 دقيقة فقط من أصل 7 ساعات عمل يوميا، وفق ما ذكره الكاتب بنفس المقال.
وقس على ذلك كافة المجالات، سيكون السبب الرئيسي الذي تصل إليه هو التفكير بأسلوب القطيع.
أين المبادرات الفردية؟
في رأيي، أن أحد أهم أسباب شيوع هذه الثقافة البغيضة هو حالة فقدان الثقة في إمكانية التغيير التي صارت مسيطرة على الجميع، مع أن العقل يقول إن أي مبادرة فردية يمكن أن يتولد عنها مبادرات أخرى تحولها لظاهرة.
والتاريخ يحوي العديد من النماذج التي توضح ذلك، فلو أن الأندلسي عباس بن فرناس لم يفكر في الطيران، ما تبعته محاولات أخرى أسفرت عن نجاح تجربة الطيران التي اختصرت كثيرا من المسافات.
وحتى يمكننا القضاء على هذه الحالة لابد أن نربي أبناءنا على القاعدة التي أرساها ديننا الإسلامي؛ وهي مسئولية كل فرد عن أعماله، فحينها سنجد الموظف يلتزم حتى لو كان الآخرون غير ملتزمين، وسنجد أيضا مواطنا رشيدا يحافظ على المياه حتى لو أساء الآخرون استخدامها.
وحينها ستتغير حياتنا بلا شك للأفضل؛ لأن الموظف الملتزم والمواطن الرشيد سيكونان أفضل دعوة للتغيير.