فترة العقد وتعلم ثقافة الاختلاف فترة عقد القران في بلادنا من أروع الفترات التي تظل لسنين طويلة في سويداء قلب الزوجين، ففيها تعم السكينة، وتلتهب المشاعر، ويخفق الفؤاد لمجرد سماع صوت الحبيب من بعيد عبر الأثير، فلا تمر مناسبة إلا ويتم التأكيد على التفاهم الكبير الذي يجمع الاثنين، وكأنهما "يا عين أمهم فولة وانقسمت نصفين"، لكن بمجرد إتمام الدخلة تبدأ الأمزجة في التغيير؛ فهي لم تعد تلك المطيعة التي تبادر بوضع وجهها في الأرض عند ظهور أي مشكلة خلافية بينهما قائلة بنعومة: كما تحب يا حبيبي، وهو لم يعد ذلك الديمقراطي الذي يحلف بالطلاق على أن رؤيتها للأمر هي الأصوب.
"إسلام أون لاين" عرض على مجموعة من الخبراء أطروحة "استغلال فترة العقد في تدريب الزوجين على ثقافة الاختلاف وتقبل الرأي الآخر دون أن يضيع الود بينهما".. فماذا قالوا يا تري؟
مرجعية للاختلاف
يقر
الدكتور محمد المهدي -أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر- في بداية حديثه بغياب ثقافة الاختلاف وقبول الآخر داخل أسرنا العربية، ويرد ذلك إلى أننا تعودنا على تربية أبنائنا بالطريقة الاستقطابية أحادية الرؤية، التي تكرس لمف مهوم أن لكل أمر وجها واحدا، وأن الفرد بمفرده يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنه هو صاحب الرؤية السديدة على طول الخط، وأن الآخرين ليسوا كذلك.
ويتابع: إن هذا النمط التربوي ينتقل مع صاحبه في علاقته مع شريك حياته؛ ومن هنا تظهر رغبته القوية في التحكم والسيطرة على كل الأمور داخل الأسرة دون أي مراعاة لآراء الشريك الآخر؛ على خلفية أنه الأصوب على طول الخط وفق التربية أحادية الرؤية التي تربى عليها.
ويشير الدكتور المهدي إلى أن الاستبداد في الرأي ليس حكرا على الرجل في الأسرة العربية، بل أحيانا نراه يطال المرأة عندما نراها تحاول إلغاء زوجها، مشيرا إلى أن النسبة الكبيرة من المستبدين تكون من الرجال؛ نتيجة الثقافة العربية السائدة التي تكرس لهيمنة الرجل على الأسرة.
ويضيف: إن فترة العقد مهمة جدا على صعيد تعديل اتجاهات العاقدين نحو مفاهيم التربية أحادية الجانب؛ وذلك من خلال تدريبهم على حسن الاستماع للشريك، وتقبل فكرة التنازل عن الرأي لو كانت آراء الشريك الآخر معضدة بالأسانيد المنطقية، مؤكدا على أنه إذا نجح الطرفان خلال هذه المرحلة في الاقتناع بأن أي رأي في الدنيا يحتمل الصواب والخطأ فسيكونا قد وصلا إلى مرحلة متقدمة على صعيد سيادة ثقافة الاختلاف البناءة التي تعلي من أهمية الحوار والنقاش.
ويدعو "المهدي" الفتاة تحديدا في فترة العقد لأن تعود زوجها على الاستماع لوجهة نظرها، مع إبداء اهتمامها بسماع وجهة نظره والاهتمام بها، ولا تبدي احتقارها لرؤيته مهما كانت؛ لأن هذا من شأنه تعميق استبداده برأيه، مشيرا إلى أن الاختلاف سنة كونية، كما أنه القاعدة في العلاقات الإنسانية، والاتفاق هو الاستثناء.
ويؤكد أستاذ الطب النفسي أهمية اتفاق كل زوجين على مرجعية للحل يرجعان إليها عند اختلافهما في أي أمر، مشيرا إلى أن هذه المرجعية قد تكون: دينية، أو الأعراف الاجتماعية السائدة، أو حسب ما يتم الاتفاق عليه، أو أن تكون بالاستعانة بطرف ثالث يحكم بينهما ويكون محل ثقتهما، فإذا ما تم الاتفاق على هذه المبادئ من البداية فستسير الأمور على أسس التقدير من كل شريك للآخر واحترام وجهة نظره، وهذا هو المطلوب.
فترة استكشاف
أما
الدكتور وائل أبو هندي -أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق- فيتفق مع الدكتور المهدي في مسألة انعدام مساحات الحوار بين الأزواج والعاقدين بشكل عام في مجتمعاتنا العربية، ويرجع ذلك إلى مجموعة من المفاهيم الخاطئة غير السوية عند الشباب من الجنسين في العصر الحاضر، وأهمها أن الواحد منهم يرى أنه لكي يتزوج من شخص ما فلا بد لهذا الشخص أن يكون متطابقا معه تماما في كل الآراء، وإذا كان غير ذلك -وهذا هو الطبيعي- فالحياة تصبح مستحيلة معه، ومن هنا ففكرة أن "يكون الزوجان مختلفين في أشياء" لا تستطيع عقول الشباب هذه الأيام استيعابها رغم أهميتها الكبيرة.
ويرى أن فترة العقد في غاية الأهمية لوضع إطار عام لمسألة إدارة الخلافات الزوجية بعد إتمام الزواج، وفي هذا يقول: أول خطوة في هذا الجانب تتأتى من استكشاف كل طرف لمدى تقبل الآخر للاختلاف معه في الرأي، فإذا اكتشف أنه يتسم بالمرونة وعدم التعصب لرأيه فهذا ممتاز ويشجع على الاستمرار معه، أما إذا اكتشف أنه من النوع العنيد في بعض الأمور لكن بإمكانه تقبله بهذه الصفة فعليه أيضا أن يستمر في العلاقة؛ على خلفية أن مبدأ التقبل يعني قبول الآخر كما هو ليس كما نحب أن نراه.
ويحذر بشدة الذين يكتشفون تطرف الشريك في التعصب لرأيه ورغم ذلك يراهنون على إمكانية تغيير هذا الأمر من قبلهم في المستقبل بقوله: رهانكم خاسر، وما دمتم ترون أن هذه الشخصية المتصلبة في آرائها من الصعوبة بمكان التعايش معها فلا بد من التوقف عن تكملة العلاقة من حيث المبدأ.
ويحدد "أبو هندي" رؤيته لإدارة الخلافات داخل الأسرة بأن للزوجة الحق في إبداء الرأي ولكن من حق زوجها أن يأخذ بهذا الرأي أو لا يأخذ به؛ على خلفية مفهوم القوامة في الإسلام، وفي هذا يقول: ما دامت زوجتي.. فعليها طاعتي؛ لأنني القوام عليها.
ويصر على أنه يتعين على كل فتاة معقود عليها أو مخطوبة أن تؤمن بهذه المسلّمات؛ حتى تسير حياتها الزوجية دون مشاكل. ويلقي باللائمة على وسائل الإعلام العربية التي تحاول على الدوام التأكيد على أن المرأة والرجل داخل الأسرة يقفان على قدم المساواة، وهذا غير صحيح؛ لأن الرجل له القوامة.
ويشير إلى أن القوامة في حقيقتها تلقي بمسئولية كبيرة على الزوج؛ لأنها ليست امتيازا بقدر ما هي مسئولية كبيرة ملقاة على كاهله، وعليه أن يكون أهلا لها. ويؤكد في النهاية أن الحياة الزوجية بإمكانها أن تستمر دون حب؛ لأن الزواج يسير ويدوم بالأنساب والإسلام، كما أخبرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المشكلة في الزوجة
أما
الدكتورة نعمت عوض الله -مستشارة صفحة مشاكل وحلول- فتتفق مع الدكتور المهدي في أن أهم إجراء بخصوص تعلم كيفية الاختلاف بين الزوجين في فترة العقد يتم بتحديد مرجعية يحتكم إليها عند الخلاف في أي أمر، لكنها تختلف عن المهدي في قصرها هذه المرجعية على أحكام الإسلام فقط. وأشارت إلى أنه إذا تعذر وجود حكم شرعي في المسألة الخلافية فإنه يتم الاحتكام إلى أي الرأيين أقرب إلى المصلحة.
وتشدد على حتمية طاعة المرأة زوجها في حال اختياره حلا منفردا من جانبه في أي مسألة خلافية، وكل ما عليها أن تحاول إيضاح وجهة نظرها له بكافة الطرق المتاحة لها، فإن اقتنع فبها ونعمت، وإذا لم يقتنع فلا مشاكل باعتبار أنه مارس حقه الطبيعي.
وتؤكد الدكتورة عوض الله على أن المرأة هي الطرف الأكثر إثارة للمشاكل في الحياة الزوجية، متهمة إياها بالبعد عن المناقشة العقلانية الموضوعية في إدارة أي نقاش داخل الأسرة، على عكس الرجل العقلاني الذي يحكم عقله ويتعامل مع الحقائق بدون عاطفة. ومن ثم فمهم جدا تدريب الفتاة في فترة العقد على اعتماد الأساليب العقلانية في إدارة الحوار والخلاف مع الزوج.
وتشير في النهاية إلى أهمية ترك بعض المشاكل للزمن لأنه كفيل بحلها، ضاربة مثالا بحالة ابنتها التي ما تزال تدرس في الجامعة وقد اشترط عليها زوجها عدم العمل بعد التخرج، فتم إرجاء الأمر لحين تخرجها؛ لأن الآراء بعد التخرج من الممكن أن تتغير.
منقول - اسلام اون لاين