هوامش على دفتر عقد القرانالدكتورة سحر طلعت
يا له من يوم رائع، صعب علي نسيانه ما حييت، وجدتني فيه بصدد التوقيع على واحدة من أهم الوثائق في حياة بني الإنسان، حيث وثيقة "عقد زواجي"، ما أزال أذكر ذلك التردد الذي انتابني للحظات قبل التوقيع، وما أزال أذكر ذلك السؤال الصعب جدا الذي كنت أتلوه على نفسي في هذه الفترة والذي يقول: هل أحسنت اختيار الإنسان الذي سترتبط حياتي بحياته ما حيينا؟.
هذا اليوم وذكرياته وقلقي فيه، وجملة مشاهداتي لفترة العقد التي تعقبه عند العديد من الحالات دفعاني لتسجيل بعض الملاحظات العابرة عنه في هذه السطور، عساها أن تنفع من يقرأها من المقدمين على هذه المرحلة المهمة والحرجة في حياة أي إنسان.
بين القبول والرفض
يتفاوت الناس في درجة تقبلهم لفكرة عقد القران قبل فترة من الزفاف، غير أننا نجد معظم الرجال يتعجلون هذه الخطوة، لأنها تتيح لهم حرية أكثر في التعامل مع العروس، وتتيح لهم التنفيس المباح عن بعض رغباتهم المكبوتة، في حين تحبذ بعض الفتيات فكرة عقد القران المبكر، لتنهلن من العواطف المنتظرة، أو لإشباع بعض من رغباتهن، أو للتخلص من الحرج الشرعي المصاحب للتعامل مع الخاطب قبل العقد.
أما فيما يخص الأهل -وخصوصا أهل العروس- فالكثير منهم يرفضون تماما فكرة عقد القران، خوفا على الابنة من تنامي العلاقة بينها وبين زوجها بدون ضابط، كما نرى الكثير من الآباء يرفضون فكرة عقد القران، لأنه ببساطة لن يقبل بأن يأتي أحد ويتحكم في ابنته وهي ما زالت في كنفه، ويرفض بعض الأهل فكرة عقد القران توجسا من ألا يتوافق العروسان معا، فيضطرا لفسخ العقد، وبالتالي تحمل الفتاة لقب مطلقة، وهو لقب سيئ السمعة في مجتمعاتنا العربية.
ويدفع بعض الأهل الابنة للإسراع بخطوة عقد القران، خاصة لو كانوا يرون أن العريس "لقطة"، ويزداد ضغطهم في اتجاه إتمام العقد لو لمحوا ترددا من الفتاة في قبول الزيجة، وحجتهم أن العقد سيمنحها فرصة للمزيد من التقارب مع زوجها، مما يساعد على إزالة أسباب التردد، والمشكل هنا أن الضغط على الفتاة وإجبارها على إتمام العقد وهي ما زالت غير مقتنعة تماما يمكنه أن يصيبها بحالة من الرفض والنفور لهذا الزوج، الذي "فرض" عليها.
قلق وتوجس
تظهر بعد فترة العقد بعض المشكلات بين الزوج والزوجة، فبعض الأزواج يريدون أن يشعروا برجولتهم عن طريق فرض نفوذهم وسيطرتهم على زوجاتهم، كأن يطلب زوج من زوجته في ليلة عقد القران أن تقاطع قريبتها، ثم يأمرها بألا تخرج إلا بإذنه، حتى لو كان خروجها مع والديها ولزيارة بعض الأقارب، وينتهي به الأمر بمنعها من الذهاب لجامعتها، وهذا الإجراء قد يقابل بمقاومة من الزوجة، ولكن الكارثة تحدث إذا توافر عند الزوجة القابلية والجاهزية للسيطرة عليها من قبل زوجها، حيث نجدها تسمع وتطيع بدون أي مناقشة، حتى لو كانت الأوامر غير منطقية وغير مبررة.
ويقابل حب السيطرة عند بعض الأزواج حب التملك عند بعض الزوجات، ولذا نرى من الزوجات من تريد أن تشعر أن زوجها أصبح ملكا خالصا لها، وبالتالي ينبغي أن يقطع علاقاته بكل من حوله من الأصدقاء والمعارف، فهل يقبل الرجل بهذا الوضع؟ أم أن هذه الرغبة قد تكون سببا لسلسلة لا تنتهي من المشاكل؟.
ويعتبر الخوف من فشل العلاقة الجنسية بعد الزواج أحد الروافد المهمة التي تصعد عملية القلق في فترة العقد، فنرى الفتاة متوترة جدا بسبب الخوف من ليلة الزفاف وما تسمعه عنها، وقد تموت خوفا بسبب قلقها على عذريتها، وخصوصا لو كانت قد تعرضت لأي حادث تحرش في الصغر، أو لو كانت من ممارسي العادة السرية، وقد يكون قلقها بسبب عيب ما في جسمها (كصغر حجم الثديين مثلا)، ويكون الرجل قلق أيضا بسبب ليلة الزفاف التي ستمتحن فيها رجولته وفق المعتقدات الخاطئة لدينا.
الماديات غير كافية
وتتخيل بعض الأسر أن بناتها سلع تباع وتشترى لمن يدفع أكثر، ولذا ترى أنه من الأفضل أن يتم تكبيل العريس بالمزيد والمزيد من المطالب المالية، وكأن هذه الأموال يمكنها أن تضمن السعادة للعروس، وتنسى هذه الأسر أو تتناسى أن بإمكان الزوج أن يذيق عروسه من العذاب ألوانا، حتى تتنازل بكامل إرادتها عن كل مستحقاتها المالية من مؤخر ونفقة وقائمة أثاث وخلافه، وتغفل عن أن هذه الضغوط يمكنها أن تزرع الشقاق بين العريس وأهل عروسه.
ولا يسعني في النهاية سوى أن أؤكد للآباء على أن الماديات وحدها لا تنشئ أسرة سوية، ومن ثم فلا داعي إطلاقا لإرهاق الأزواج ماديا بما لا يحتملون، فقد شاهدت بعيني ما تفعله هذه الضغوط المادية على العريس لدرجة أن أحدهم قرر أن يعاقب عروسه بذنب أهلها، وانتهى الأمر بالطلاق.. فمتى نعي وندرك أن الضمان الحقيقي للزواج الناجح يكون باختيار من يتقي الله بحق، ومن يتحلى بالخلق القويم؟.
منقول - اسلام اون لاين