هل لدماغ المرأة أية فائدة ؟
د.ليلى أحمد الأحدب في حوارها لبرنامج "ضيف وحوار" على قناة العربية أظهرت "بينيتا فريرو فالدنير"- مسؤولة العلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية قدرة حوارية فائقة ومعرفة سياسية واضحة،
أقول ذلك بغض النظر عن الاتفاق معها أو الاختلاف، فما يهمني بحثه هنا هو موضوع قدرة المرأة على الحوار وإمكانية تعاطيها للقضايا السياسية أو الوطنية مثلها مثل الرجل؛ ولقد كانت السيدة "بينيتا" مثالاً حياً لامرأة ذات أفق سياسي واسع دون أن يبدو عليها أنها تتكلّف ما لا يعنيها أو ما لا يحيط به عقلها، فمن أين أتت خرافة عطالة عقل الأنثى ووجوب انشغالها فقط بمحيطها الأسري الضيق إلى آخر ذلك من الأوهام التي تقلِّل من مكانة المرأة وتشكك بإمكانياتها العقلية وقدراتها الفكرية؟
البحث في التفاصيل
لا جدال أن الأنثى تتميز بالحساسية أكثر من الذكر، وهي بذلك أعمق قدرة على تلمّس المشكلات الاجتماعية بينما هو أكثر تفوقاً عليها بالأمور الجافة التي لا تحتاج عاطفةً وعطفاً؛ لكن الإحساس بالمشكلة يجب أن يرقى إلى مرحلة الإدراك للتمكّن من إيجاد الحل، والإدراك - كما يعلم من لديه أدنى اهتمام بالفلسفة - هو مرحلة عقلية بحتة، كما أن إيجاد حل لهذه المشكلات الاجتماعية لا بدّ أن يكون بيد من شعر بها وأدركها، أي بيد المرأة نفسها، لذلك فهي أقدر من الرجل - بشكل عام- على الشعور بالمشكلات الاجتماعية واكتشاف حلولها؛ وأضرب مثلاً هنا بما كتبه ذات مرة الأستاذ "قينان الغامدي" في عموده اليومي عن الفارق بين عضو وعضوة من هيئة حقوق الإنسان السعودية عندما زار كل منهما أحد السجون، فالعضو لم ير أي مشكلة في وضع المساجين بينما وجدت العضوة أنه غير مُرضٍ بتاتاً، وقد يكون السبب ما يقوله بعض علماء النفس من أن المرأة أقدر على التدقيق في التفاصيل بعكس الرجل الذي تغلب عليه النظرة الشمولية للمشكلة؛ وكي لا نقع في فخ التعميم لأن لكل قاعدة استثناء، يجدر القول بأن الاعتراف بحساسية المرأة وقدرتها في القضايا الاجتماعية لا يبرّر إنكار قدرات بعض النساء في الأمور السياسية كالسيدة "بينيتا" التي افتتحت مقالتي بها كأنموذج غير وحيد ولا فريد في الغرب، وفي الشرق لا يمكن تغافل "بي نظير بوتو" التي ورثت شخصية والدها والتي عُرفت بقدرتها على العمل لمدة 18 ساعة يومياً، وجارتها "أنديرا غاندي" رئيسة وزراء الهند سابقاً والتي نُسبت إلى غاندي صديق والدها الزعيم نهرو، ومن باكستان والهند إلى إندونيسيا والفلبين، وفي الجغرافية كما في التاريخ اشتهرت نساء سياسيات بالحكمة وبعد النظر كملكة سبأ التي أثبتت رشدها في جاهليتها وإسلامها حسب بعض التفاسير المنصفة للمرأة.
العقل والعاطفة
يذكر أن علوم السياسة لا تنفصل عن علوم الاجتماع، فحالهما في المجتمع كحال الفكر والعاطفة في الفرد، وكما أن المشاعر في الإنسان تنعكس على أفكاره، ومواقفه الأيديولوجية أو الفكرية تؤطِّر مشاعره، كذلك تؤثر السياسة على الثقافة الاجتماعية، وفي البلاد الحرة ترسم الإرادة الاجتماعية سياسة البلاد كما رأينا في فرنسا عندما رفض أغلبية الفرنسيين الدستور الأوروبي، وتمت إقالة الحكومة وتسلم "دومينيك دوفيليبان" رئاسة الوزراء، والرجل يوحي شكله بشاعرية عميقة، وهو كذلك حقاً لما عُرف عنه من اهتمام بالشعر والأدب، ومع ذلك فقد درس العلوم السياسية، ونحن بالانتظار لنرى مدى نجاح الرجل الأديب الحساس عندما يتسنّم منصباً سياسياً، ولا أحسب أن أبعاد شخصيته تغيب عن الرئيس المخضرم "جاك شيراك"، ولا أعتقد أنه يرى في تنصيب "دوفيليبان" أي مخاطرة سياسية رغم البعد الأنثوي في شخصيته.
فلماذا قامت الدنيا في مجلس الأمة الكويتي لدى التصويت على حقوق المرأة السياسية انتخاباً وترشيحاً؟ ولماذا لم تقعد إلى الآن بعد تنصيب معصومة المبارك وزيرة للتخطيط رغم أنها مختصة بالعلوم السياسية ومتحقّقة بمطالب التيار الإسلامي من حيث الزي الشرعي وكبر السن؟.
حجج الزنداني
أمامي وأنا أكتب هذه المقالة كتاب (المرأة وحقوقها السياسية في الإسلام) للشيخ عبد المجيد الزنداني، وكنت قد رأيته على بعض القنوات الفضائية كمهتمّ بالإعجاز العلمي في القرآن، ولم يجذبني أسلوب الشيخ ولا آراؤه عن دماغ المرأة، فضلاً عن عدم حماسي للإعجاز العلمي وذلك لأن القرآن يحوي حقائق - قد تكون محكمة أو متشابهة - فلا يجوز أن نقيسه بمنظور العلم ذي التطور المستمر، عدا أن النظر للقرآن وكأنه كتاب علم فقط يلغي البعد الروحي الأقوى تأثيراً فيه، ناهيك عن المبالغات الواضحة في أسلوب الزنداني فقد جاء في حديثه المتلفز وكتابه المذكور أن تخزين المعلومات والقدرات في الدماغ يختلف في الولد عنه في البنت: ففي الفتى تتجمع قدرات الكلام في مكان مختلف عن قدرات التفكير بما فيها الذاكرة، بينما هي موجودة في فصي المخ لدى الفتاة ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تخصّصاً من مخ أخته.
ويأتي الزنداني برسم لدماغ كل من الأنثى والذكر، ويعلّق تحته بما يلي: واضح من الصورة أن المرأة تشغِّل جزءين من أقصى المخ عند الكلام، بينما يستعمل الرجل فصاً واحداً مما يجعله أكثر تخصصاً ودقةً في ضبط الكلام لأن الجزء الآخر قد تخصّص عند الرجل لوظيفة الذاكرة فلا يحدث أي تشويش في الذاكرة عند الكلام، ويستنبط الزنداني أن هذا التخصص المفقود في المرأة يمنعها من التذكر عندما تتكلم، لذلك جعل القرآن شهادتها نصف شهادة الرجل، وهنا يتبدّى إعجاز القرآن العلمي حسب رأي الزنداني.
يطلق الزنداني على من ينكرون هذا الاختلاف بأنهم أصحاب التفكير المبني على الرغبات wishful thinking ويعيد الفقرة السابقة في الكتاب عدة مرات، مما يدل على أن صاحبه وقع هو نفسه في هذا النمط من التفكير إذ يتغيّا الإقناع عبر أسلوب التكرار، وليس عبر المنطق الذي لا يقبل هذه المعلومة الخاطئة فليس في تشريح المخ شيء اسمه التخصص الذكوري، وإذا كانت المرأة برأي الزنداني تنسى عندما تتكلم، فكيف إذن تشرح المعلمة الدروس لتلميذاتها؟ وكيف تصف الطبيبة الدواء لمرضاها ومريضاتها؟ وكيف تقوم بأداء صلواتها؟ وكيف تقوم مدارس تحفيظ القرآن الكريم بتخريج حفظة القرآن ذكوراً وإناثاً كل عام؟ بل كيف تذكر الأنثى اسمها عندما تُسأل عنه؟ وهل ينصح الزنداني الإناث بأن يقضمن ألسنتهن ويستعضن عنها بالأقلام أو بلغة الإشارة مثلاً؟.
نظرية التفوق الدماغي
شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في العقود المالية الموثقة فقط بنص آية الدين في آخر سورة البقرة، ورغم أن الزنداني أثبت للمرأة بعض حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لكن انشغاله بإثبات نظرية التفوق الدماغي الذكوري ليصل إلى نتيجة مفادها أن ليس للمرأة أن تخوض بحر السياسة أفقد الكتاب كثيراً من المصداقية، ومع ذلك نجده يعود في نهاية الكتاب ليقترح إنشاء مجلس شورى خاص بالمرأة، وهي فكرة جيدة في مضمونها لمن لا يفضّلون لقاء الرجال بالنساء، لكن السؤال الموجه للزنداني: كيف تلتقي هؤلاء النسوة ويتشاورن إذا كانت إحداهن ستصاب بالسكتة الدماغية إذا تحرك لسانها فلا تتذكر ما تريد قوله، أو إذا كانت ستتلبّسها الحبسة الكلامية بمجرد أن تسري سيالة التفكير والتذكر في دماغها؟.
نشرت مجلة المعرفة في عدد مايو 2005 مقالا للطبيب "ليبونار ساكس" بعنوان (الجنس يرفع درجات الطلاب ويخفضها) جاء فيه أن مخ البنت يبقى أكثر نضجاً من مخ الولد ابتداء من الولادة وخلال الطفولة والمراهقة وحتى الكهولة، ومع أن المقال فرصة خصبة للاستناد إليها في الانتصار لقضايا المرأة، لكن لا يغيب عن البال عدم حياد كثير من الأبحاث الاجتماعية الغربية لذلك فأنا لا أعتقد بصحة الاستنتاجات الواردة في ذلك المقال ولا بأحقية تخرصات الزنداني، والأمر يتعلق بالقدرة الوراثية والاهتمام التربوي، وكثيراً ما صادفت أنثى يصدق عليها المثل القائل إن والدها عطسها من أنفه لكثرة شبهها به، وكثيراً ما رأيت ذكراً لا يستطيع أن يجمع عبارتين في كلامه، أما القدرات العقلية فهي عطاء من الله للذكر والأنثى كما أن العقل ينطبق عليه ما ينطبق على العضلات التي تضمر إذا لم تُستعمل، فهل حاولنا أن ننمّي عقول الفتيات ونعوِّدهن على التفكير المنطقي قبل أن نحكم عليهن بالنسيان والغباء؟ هل نعمل على إحياء الملكات الكامنة فيهن وإشعارهن بالمسؤولية وبالمواطنة السليمة قبل أن نقحم الوطنية في الكيمياء؟
هكذا جاء السؤال الأول في اختبار الثانوية العامة بنات:(تسعى حكومتنا الرشيدة لمحاربة الإرهاب ودحر العابثين بأمن الوطن، الذين يستخدمون معطيات العلم والمعرفة لأهداف الهدم بأعمال تخريبية باستخدام المواد المتفجرة والتي يدخل عنصر النتروجين ومركباته في تكوينها، فأنت كمواطنة صالحة تسعى لخدمة دينها ووطنها وتدعو إلى الاستفادة من التطبيقات النافعة لهذا العنصر...)
كان تعليق إحدى الفتيات: ألا يكفينا رهاب الامتحان حتى يحدِّثونا فيه عن الإرهاب؟ ألا يستفيد الطالب ذو التوجهات الإرهابية من هذه المعلومة عن النتروجين؟ ثم كيف يقولون إننا مواطنات صالحات ونحن لا ندرس مادة التربية الوطنية؟
منقول - اسلام اون لاين